هدي النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة في الصلاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.. أما بعد:
إن خير هدي هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو المزكى من رب العالمين، هو الذي جعله الله للناس قدوة يقتدون بها يقول سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}1، فبهداه نهتدي، وبفعله نقتدي، فإلى كل إمام يؤم الناس في صلاتهم لعلك تتساءل: ماذا قال العلماء فيما يُقرأ في الصلاة؟
نعيش في هذه الأسطر مع النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - لننظر بماذا كان يقرأ؟ ما الذي كان يتغنى به - صلى الله عليه وسلم -؟ ماذا كان يقرأ في صلاة الصبح؟ المغرب؟ العشاء؟.
أما ما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - في بيان ما يقرأ فقد لا نستوعبه، لكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، يقول الشيخ الألباني - رحمه الله تعالى -: "ثم كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بعد الفاتحة سورة غيرها، وكان يطيلها أحياناً، ويقصرها أحياناً؛ لعارض سفرٍ أو سعالٍ، أو مرضٍ أو بكاء صبيٍ"2، فعن أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي؛ فأتجوز في صلاتي؛ كراهية أن أشق على أمه))3، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة، ولا أتم من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف؛ مخافة أن تفتن أمه"4، وعن عبد الله بن السائب - رضي الله عنه - قال: " صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح بمكة، فاستفتح سورة (المؤمنين) حتى جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر عيسى؛ أخذت النبي - صلى الله عليه وسلم - سعلة؛ فركع"5، بل كان - صلى الله عليه وسلم - يأمر أصحابه ألا يشقوا على الناس، وأن ينظروا ما تتم به المصلحة، ويحصل به المقصود من محافظة المسلمين على صلاة الجماعة، والالتزام بالصلاة في أوقاتها؛ فعن جابر - رضي الله عنه - قال: "كان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى ليلة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم أتى قومه فأمَّهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلم، ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟! قال: لا والله، ولآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأخبرنه، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنا أصحاب نواضح؛ نعمل بالنهار، وإن معاذاً صلى معك العشاء، ثم أتي فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معاذ، فقال: ((يا معاذ أفتان أنت ؟، اقرأ بكذا واقرأ بكذا))6، قال سفيان: "فقلت لعمرو: إن أبا الزبير حدثنا عن جابر - رضي الله عنه - أنه قال: اقرأ {والشمس وضحاها، والضحى، والليل إذا يغشى، وسبح اسم ربك الأعلى}، فقال عمرو: نحو هذا"7.
ويبين - صلى الله عليه وسلم - أن التخفيف - الغير مخل - سببٌ لجذب الناس إلى هذا الدين، وأن الإطالة المفرطة سببٌ للتنفير من هذا الدين، فقد روى البخاري عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: "قال رجل: يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في موعظة أشد غضباً من يومئذٍ، فقال: ((أيها الناس إنكم منفرون؛ فمن صلى بالناس فليخفف؛ فإن فيهم المريض، والضعيف، وذا الحاجة))8، ومثله روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أمَّ أحدكم الناسَ فليخفف؛ فإن فيهم الصغير والكبير، والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء))9، وليس الإطالة مذمومة على الإطلاق، بل قد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يطيل بما يناسب المقام، فعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى، ويقصر في الثانية، ويسمع الآية أحياناً، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية"10، ويبين أبو قتادة - رضي الله عنه - ما ظنوه سبباً لتطويل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة يقول - رضي الله عنه -: " فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى"11.
والركعتين الأخيرتين أقصر من الأوليين قدر نصفهما جاء عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية، أو قال: نصف ذلك، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك"12،وجاء في التطويل عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: "لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يتوضأ، ثم يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى مما يطولها"13.
وهكذا كان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته، يراعي الظروف، ويعمل الأنسب، فما أجمل الاهتداء بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء بسنته.
والله أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل.
1 (سورة الأحزاب:21).
2صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، صـ102.
3 رواه البخاري برقم (675)، ومسلم برقم (470).
4 رواه البخاري برقم (676).
5 رواه مسلم برقم (455).
6 رواه البخاري برقم (5755)، ومسلم برقم (465 ).
7 رواه مسلم برقم (339).
8 رواه البخاري برقم (90).
9 رواه مسلم برقم (467).
10 رواه البخاري برقم (725)، ومسلم برقم (451).
11 سنن أبي داود برقم (800)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (718).
12 رواه مسلم برقم (452).
13 رواه مسلم برقم (454).
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.. أما بعد:
إن خير هدي هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو المزكى من رب العالمين، هو الذي جعله الله للناس قدوة يقتدون بها يقول سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}1، فبهداه نهتدي، وبفعله نقتدي، فإلى كل إمام يؤم الناس في صلاتهم لعلك تتساءل: ماذا قال العلماء فيما يُقرأ في الصلاة؟
نعيش في هذه الأسطر مع النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - لننظر بماذا كان يقرأ؟ ما الذي كان يتغنى به - صلى الله عليه وسلم -؟ ماذا كان يقرأ في صلاة الصبح؟ المغرب؟ العشاء؟.
أما ما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - في بيان ما يقرأ فقد لا نستوعبه، لكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، يقول الشيخ الألباني - رحمه الله تعالى -: "ثم كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بعد الفاتحة سورة غيرها، وكان يطيلها أحياناً، ويقصرها أحياناً؛ لعارض سفرٍ أو سعالٍ، أو مرضٍ أو بكاء صبيٍ"2، فعن أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي؛ فأتجوز في صلاتي؛ كراهية أن أشق على أمه))3، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة، ولا أتم من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف؛ مخافة أن تفتن أمه"4، وعن عبد الله بن السائب - رضي الله عنه - قال: " صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح بمكة، فاستفتح سورة (المؤمنين) حتى جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر عيسى؛ أخذت النبي - صلى الله عليه وسلم - سعلة؛ فركع"5، بل كان - صلى الله عليه وسلم - يأمر أصحابه ألا يشقوا على الناس، وأن ينظروا ما تتم به المصلحة، ويحصل به المقصود من محافظة المسلمين على صلاة الجماعة، والالتزام بالصلاة في أوقاتها؛ فعن جابر - رضي الله عنه - قال: "كان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى ليلة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم أتى قومه فأمَّهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلم، ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟! قال: لا والله، ولآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأخبرنه، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنا أصحاب نواضح؛ نعمل بالنهار، وإن معاذاً صلى معك العشاء، ثم أتي فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معاذ، فقال: ((يا معاذ أفتان أنت ؟، اقرأ بكذا واقرأ بكذا))6، قال سفيان: "فقلت لعمرو: إن أبا الزبير حدثنا عن جابر - رضي الله عنه - أنه قال: اقرأ {والشمس وضحاها، والضحى، والليل إذا يغشى، وسبح اسم ربك الأعلى}، فقال عمرو: نحو هذا"7.
ويبين - صلى الله عليه وسلم - أن التخفيف - الغير مخل - سببٌ لجذب الناس إلى هذا الدين، وأن الإطالة المفرطة سببٌ للتنفير من هذا الدين، فقد روى البخاري عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: "قال رجل: يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في موعظة أشد غضباً من يومئذٍ، فقال: ((أيها الناس إنكم منفرون؛ فمن صلى بالناس فليخفف؛ فإن فيهم المريض، والضعيف، وذا الحاجة))8، ومثله روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أمَّ أحدكم الناسَ فليخفف؛ فإن فيهم الصغير والكبير، والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء))9، وليس الإطالة مذمومة على الإطلاق، بل قد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يطيل بما يناسب المقام، فعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى، ويقصر في الثانية، ويسمع الآية أحياناً، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية"10، ويبين أبو قتادة - رضي الله عنه - ما ظنوه سبباً لتطويل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة يقول - رضي الله عنه -: " فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى"11.
والركعتين الأخيرتين أقصر من الأوليين قدر نصفهما جاء عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية، أو قال: نصف ذلك، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك"12،وجاء في التطويل عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: "لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يتوضأ، ثم يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى مما يطولها"13.
وهكذا كان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته، يراعي الظروف، ويعمل الأنسب، فما أجمل الاهتداء بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء بسنته.
والله أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل.
1 (سورة الأحزاب:21).
2صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، صـ102.
3 رواه البخاري برقم (675)، ومسلم برقم (470).
4 رواه البخاري برقم (676).
5 رواه مسلم برقم (455).
6 رواه البخاري برقم (5755)، ومسلم برقم (465 ).
7 رواه مسلم برقم (339).
8 رواه البخاري برقم (90).
9 رواه مسلم برقم (467).
10 رواه البخاري برقم (725)، ومسلم برقم (451).
11 سنن أبي داود برقم (800)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (718).
12 رواه مسلم برقم (452).
13 رواه مسلم برقم (454).